خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 16 من جمادى الآخرة 1445هـ الموافق 29 /12 / 2023م
سُورَةُ الْإِخْلَاصِ صِفَةُ الرَّحْمَنِ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( [آل عمران:102].
عِبَادَ اللهِ:
لَقَدْ بَيَّنَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ: أَنَّ التَّوْحِيدَ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِخْلَاصَ الدِّينِ لَهُ -لَأَعْظَمُ الْحَسَنَاتِ وَأَفْضَلُ الْقُرُبَاتِ وَأَجَلُّ الطَّاعَاتِ؛ ]وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [[البينة:5]، وَأَنَّ الشِّرْكَ بِهِ أَقْبَحُ الْقَبَائِحِ وَأَكْبَرُ السَّيِّئَاتِ وَرَأْسُ الْمُوبِقَاتِ؛ ]إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [ [لقمان:13]، وَمَنْ مَاتَ عَلَيهِ غَيْرَ تَائِبٍ مِنْهُ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ خَالِدًا فِيهَا أَبَدًا؛ ]إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [[المائدة:72]، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ وَهْوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ]، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ دَخَلَ النَّارَ». بَلِ الْقُرْآنُ كُلُّهُ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِهِ وَمُكَمِّلَاتِهِ، وَبَيَانِ جَزَاءِ أَهْلِهِ، وَالتَّحْذِيرِ مِمَّا يُضَادُّهُ وَعُقُوبَةِ مَنْ خَالَفَهُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
وَإِنَّ مِنَ السُّوَرِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي أَخْلَصَتِ الْكَلَامَ فِي التَّوْحِيدِ، وَنَزَّهَتِ اللَّهَ عَنِ الشِّرْكِ وَالتَّنْدِيدِ، وَوَصَفَتِ اللَّهَ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَنَزَّهَتْهُ عَنِ النَّقَائِصِ وَالْعُيُوبِ : سُورَةَ الْإِخْلَاصِ: ]قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ[ ؛ فَاجْتَمَعَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مَقَامَاتُ التَّوْحِيدِ وَأَنْوَاعُهُ؛ فَالْقَارِئُ لَهَا نَزَّهَ اللَّهَ وَقَدَّسَهُ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ وَنِدٍّ وَكُفْءٍ وَمَثِيلٍ، وَشَهِدَ بِقَلْبِهِ انْفِرَادَ الرَّبِّ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ، ثُمَّ صَمَدَ إِلَى رَبِّهِ وَقَصَدَهُ فِي عُبُودِيَّتِهِ وَحَاجَتِهِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ، وَجَمِيعُ صِفَاتِ الْكَمَالِ الَّتِي تَرْجِعُ إِلَى هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ الْكَرِيمَيْنِ، وَهُمَا: (الْأَحَدُ) الْمُتَفَرِّدُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالْمُلْكِ، وَ(الصَّمَدُ) أَيِ: اللَّهُ السَّيِّدُ الْعَظِيمُ الَّذِي قَدِ انْتَهَى فِي سُؤْدُدِهِ وَمَجْدِهِ وَكَمَالِهِ، وَمِنْ مَعَانِي الصَّمَدِ: أَنَّهُ الَّذِي تَصْمُدُ إِلَيْهِ الْخَلَائِقُ كُلُّهَا وَتَقْصِدُهُ فِي جَمِيعِ حَاجَاتِهَا، فَحُقَّ لِسُورَةٍ تَشْتَمِلُ عَلَى هَذِهِ الْمَعَارِفِ أَنْ تَعْدِلَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْشِدُوا فَإِنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ». فَحَشَدَ مَنْ حَشَدَ ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ r فَقَرَأَ ]قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ[ ثُمَّ دَخَلَ فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: إِنِّي أُرَى هَذَا خَبَرٌ جَاءَهُ مِنَ السَّمَاءِ فَذَاكَ الَّذِي أَدْخَلَهُ. ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، أَلَا إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]، بَلْ كَانَ سَبَبُ نُزُولِهَا بَيَانَ صِفَةِ الرَّحْمَنِ، تَعَالَى اللَّهُ وَتَقَدَّسَ عَمَّا يَقُولُهُ الْكَافِرُونَ؛ فَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ ]قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ [ [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
عِبَادَ اللهِ:
وَقَدْ وَرَدَ فِي فَضْلِ هَذِهِ السُّورَةِ وَبَيَانِ مَكَانَتِهَا عَدَدٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ، فَحَرِيٌّ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يَعْتَنِيَ بِقِرَاءَتِهَا، وَأَنْ يَتَدَبَّرَهَا وَيَفْهَمَ مَعَانِيَهَا؛ فَهِيَ سُورَةٌ مَنْ قَرَأَهَا أَحَبَّهُ اللَّهُ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِ فَيَخْتِمُ بِـ ]قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «سَلُوهُ لِأَيِّ َشْيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ» فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]. وَفِي لَفْظٍ لِلتِّرْمِذِيِّ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُحِبُّهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ حُبَّهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ».
فَلَازِمْ قِرَاءَتَهَا - يَا عَبْدَ اللَّهِ - فَهِيَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْجَنَّةِ، وَبِهَا يَبْنِي اللَّهُ لَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَقْبَلْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ ]قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ [ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَجَبَتْ». قُلْتُ: وَمَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: «الْجَنَّةُ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ]، وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ حَتَّى يَخْتِمَهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ؛ بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
عِبَادَ اللهِ:
وَهَذِهِ السُّورَةُ مَعَ الْمُعَوِّذَاتِ مِمَّا كَانَ يَسْتَعِيذُ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ أَسْبَابِ حِفْظِ اللَّهِ لِلْعَبْدِ مِنَ الشَّيْطَانِ وَمِنْ كُلِّ أَذًى؛ فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا، فَقَرَأَ فِيهِمَا ]قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ[ وَ ]قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ[ وَ ]قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ[ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ]. وَبِهِنَّ يَحْفَظُ اللَّهُ الْعَبْدَ مِنْ أَذَى شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَيَكْفِيهِ مِنْ كُلِّ أَذًى؛ فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: خَرْجَنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ لَنَا، فَأَدْرَكْنَاهُ فَقَالَ: «أَصَلَّيْتُمْ؟» فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا. فَقَالَ: «قُلْ» فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ: «قُلْ» فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا. ثُمَّ قَالَ: «قُلْ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «قُلْ ]قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ].
وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ عَمَلَ النَّهَارِ بِالتَّوْحِيدِ، كَمَا يَفْتَتِحُ عَمَلَ اللَّيْلِ بِالتَّوْحِيدِ؛ فَقَدْ كَانَ يَفْتَتِحُ سُنَّةَ الْفَجْرِ بِقِرَاءَةِ سُورَتَيِ (الْكَافِرُونَ) وَ (الْإِخْلَاصِ) فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَيَخْتِمُ بِهِمَا فِي سُنَّةِ الْمَغْرِبِ، وَهُمَا مُتَضَمِّنَانِ لِأَنْوَاعِ التَّوْحِيدِ كُلِّهَا؛ فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: رَمَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ مَرَّةً يَقْرَأُ في الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ: ]قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ[ وَ ]قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [[رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ؛ فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
عِبَادَ اللهِ:
لَقَدْ بَيَّنَتْ هَذِهِ السُّورَةُ: أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْكُفْرِيَّاتِ وَأَشَدِّ الْمُحَرَّمَاتِ: وَصْفَ اللَّهِ تَعَالَى بِالنَّقَائِصِ وَالْعُيُوبِ، وَمِنْ ذَلِكَ: نِسْبَةُ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ ]وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا [ [مريم:88-92]. كَمَا فَعَلَ الْيَهُودُ حِينَ قَالُوا : عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ، وَكَمَا فَعَلَ النَّصَارَى حِينَ قَالُوا الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، فَبَيَّنَ اللَّهُ كُفْرَهُمْ وَلَعَنَهُمْ، ]وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ[ [التوبة:30]، وَقَدْ تَبَرَّأَ الْأَنْبِيَاءُ جَمِيعًا مِنْ كُفْرِيَّاتِ أَقْوَامِهِمْ، وَمِنْ ذَلِكَ: مَا صَدَعَ بِهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ نَفْسُهُ بِالْبَرَاءَةِ مِمَّا فَعَلَ الْكَافِرُونَ، ]وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ[ [المائدة:116-117].
فَعَلَى الْعَبْدِ الْمُوَحِّدِ: أَنْ يَحْذَرَ مِنْ كُلِّ مَظْهَرٍ مِنْ مَظَاهِرِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ تَعَالَى أَوِ الْأَعْيَادِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ نِسْبَةَ الْوَلَدِ إِلَى اللَّهِ؛ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ]وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا[ [الفرقان:72]، قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ فِي تَفْسِيرِ الزُّورِ: (هُوَ أَعْيَادُ الْمُشْرِكِينَ)، فَإِيَّاكُمْ وَالتَّشَبُّهَ بِهِمْ فِيمَا يَخْتَصُّونَ بِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَالْأَعْيَادِ وَالْعَادَاتِ؛ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَصَحَحَّهُ الْأَلْبَانِيُّ].
فَعَلَى الْمُوَحِّدِ: أَنْ يُعْنَى بِتَوْحِيدِهِ، وَأَنْ يَعْمَلَ عَلَى تَخْلِيصِهِ مِنْ كُلِّ مَا يُنَاقِضُهُ أَوْ يَنْقُصُهُ، وَأَنْ يُسَبِّحَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُنَزِّهَهُ مِنْ كُلِّ نَقْصٍ وَعَيْبٍ؛ ]سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[ [الصافات:180-182].
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ. اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالْيَهُودِ الْغَاصِبِينَ، وَانْتَقِمْ مِنَ الصَّهَايِنَةِ الْمُجْرِمِينَ، وَرُدَّ الْأَقْصَى الْجَرِيحَ إِلَى حَوْزَةِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ كُنْ لِأَهْلِنَا فِي فِلَسْطِينَ نَاصِرًا وَمُعِينًا، احْقِنْ دِمَاءَهُمْ وَاحْفَظْ أَعْرَاضَهُمْ، وَأَيِّدْهُمْ بِتَأْيِيدٍ مِنْ عِنْدِكَ، وَرُدَّ كَيْدَ أَعْدَائِهِمْ فِي نُحُورِهِمْ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً، دَارَ عَدْلٍ وَإِيمَانٍ، وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة